ولد باولو فريري عام 1921م وسط أسرة من الطبقة الفقيرة بمدينة ريسييف في البرازيل، ونشأ في أسرة شديدة الفقر نتيجة الأزمات المالية والكساد في البلاد، وعاش فريري الفقر والجوع خلال طفولته خصوصاً في فترة المجاعة التي حصلت في البرازيل عام 1929م.
اضطرت عائلته إلى السفر خارج المدينة لتقيم في مدينة جابوتا، حيث تكاليف الحياة في هذه المدينة أقل كلفة من ريسييف، ولم يكن السفر والترحال عاملاً إيجابياً على باولو في ذلك الوقت، بل على العكس، إذ أدى سفر عائلته إلى عدم التحاقه بالمدرسة فانخفض مستواه التعليمي، ولم ينتهِ الأمر عند هذا بل اضطر بابلو إلى العمل لكسب لقمة العيش ومساعدة والديه، وكان لذلك أيضاً تأثير سلبي على مساره العلمي.
تابع باولو تعليمه بالإضافة إلى عمله وهو صغير، فقد كان يحب العلم كثيراً، ولديه اهتمام كبير بالفلسفة والديانات والعلوم، ولم تصرفه قسوة الظروف وشدة الفقر عن العلم والتعلم، فكان بعد خروجه من المدرسة وقبل ذهابه إلى العمل يناقش أصحابه في الأمور الدينية والفلسفية.
التحق فريري بكلية الحقوق في جامعة ريسيف عام 1943، وهناك درس الفلسفة وعلم النفس واللغة في نفس الوقت. ولكنه لم يمارس المحاماة حيث أنه فضل العمل ضمن مجال شغفه في تعليم اللغة البرتغالية للمرحلة الثانوية.
إن شغف باولو فريري بالعلم والتعليم وظروفه الصعبة التي مرت به في طفولته، كانت جميعها عوامل مشتركة ساعدته في تحقيق هدفه وشغفه، فتعمق في دراسة التربية والفلسفة وعلم الاجتماع وأسس العديد من النظريات في مجال التعليم.
تم تعيينه عام 1946 مديراً لقسم التعليم والثقافة في مؤسسة الخدمات الاجتماعية لولاية بيرنامبوكو ثم أصبح في عام 1961 مديراً للملحق الثقافي بجامعة ريسييف.
ونتيجة لجهوده الكبيرة قام عمدة "ريسييف" في عام 1962م بإقامة برنامج محو الأمية للكبار، وأوكل إلى "فريري "مهمة تنسيق هذا البرنامج، فبدأ يدير حلقاته العلمية والثقافية وينسق للدورات التدريبية، ولاقى المشروع نجاحًا كبيرًا، فتم تعميمه في العام التالي ليشمل الدولة بأكملها، وتولى "فريري" بذلك منصب مدير برنامج محو الأمية القومي.
لم تكن حياة "فريري" قاسية في صغره فقط، ولم تكن العقبات في طريقه نحو تحقيق شغفه مقتصرةً على ظروف الحياة القاسية في صغره، بل كانت العقبات في طريقه دوماً، فبعد النجاح الذي حققه البرنامج، حصل ما قلب الأمور رأساً على عقب، إذ حصلت اضطرابات في البلاد، فتوقف برنامج محو الأمية القومي.
فاضطر للخروج من البلاد، وفي مغتربه، حاول أن يستعيد قواه ويكمل رحلته نحو هدفه، فانطلق يشارك في المؤتمرات والاجتماعات وجلسات الحوار، مكوناً صداقاته ومناضلاً في نشر أفكاره المتعلقة في تطوير سياسات التعليم وأشكاله.
وعندما أصبح في سن الثامنة والأربعين، بدأ عمله كأستاذٍ زائرٍ في مركز الدراسات التربوية والتنموية التابع لجامعة هارفرد، وهناك بدأت مرحلة جديدة في حياته، حيث لاقت أفكاره جمهوراً كبيراً في أمريكا الشمالية، كما تعرف على النقاد اللامعين المتخصصين في التربية، وترك عمله بعد عام ليسافر إلى جنيف في سويسرا، ليتولى منصباً كبيراً متصلاً بقضايا التربية والتعليم.
كان همه تغيير أساليب التعليم وتطوريها، فأسس نظريات متطورة في التربية والتعليم، وأكد على أن الجهل هو أساس الفقر والعبودية، وقال: لا يوجد تعليم محايد؛ فهو إما أداة للقهر أو مُحفّز للتحرير، وقال أيضاً: التعليم عملية سياسية كما أن السياسة عملية تربوية.
وفي عام 1979 عاد إلى البلاد، وتولى منصب الأستاذية بكلية التربية في إحدى الجامعات الكبيرة، وشغل منصب المدير العام للتعليم في ساو باولو في عام 1989 لمدة 8سنوات، حيث توفي في 1997م عن عمر يناهز 75عاماً، كان فيها مثالاً في السعي والإصرار نحو تحقيق الهدف، وتوظيف واستثمار حب التعلم والتعليم، فكان فقيراً من عائلة فقيرة، ولم يتوقف عن شغفه بالعلم والتعليم، بل عمل كي يغير من حياة الناس من حوله، فنال مناصب رفيعة، وقدم خدماته لمجتمعه، فكان صاحب نظريات متطورة في مجال التعليم، ابتكر مصطلح التعلم البنكي وانتقده، وأسس نظريات ووضع أطراً من شأنها أن تحسن واقع التعليم وتلغي الأساليب القديمة. وله عدة مؤلفات ينصح بها للطلاب والمدرسين وهي:
- التعليم من أجل الوعي الناقد
- المعلمون بناة ثقافة التربية
- التربية للمقهورين والطريق للتحرير
- ممارسة التعليم
- الأخير والأهم، تعليم المقهورين