"الإنسان عبقريٌ عندما يحلم" بهذه للمخرج المبدع أكير كوروساوا، نتابع قصة شغفه وإبداعه، ذلك الرجل الذي بقي ملازماً ومخلصاً لشغفه طوال حياته.
أكيرا كوروساوا مخرج ياباني ولد في طوكيو عام 1910م لعائلة ميسورة الحال، وذات مركز اجتماعي وثقافي رفيع في اليابان، حيث تعود أصول عائلته إلى "الساموراي".
اكتسب "كوروساوا" شهرته العالمية بعد فيلم "راشومون"، وفيلم "الساموراي السبعة"، وبدأ حياته المهنية كمساعد مخرج في السنوات التي سبقت الحرب العالمية الثانية، لكن رحلته المهنية وتحقيقه للنجاح لم يكونا بالأمر السهل أبداً، لقد واجهته الكثير من المصاعب، وبقي عازماً على تحقيق شغف الطفولة.
كان أكيرا شغوف بالمسرح والسينما والرسم منذ صغره، وكان يحاول دائماً أن يطوّر نفسه ويتعلم المهارات المتصلة بشغفه، فعندما انتهى من المدرسة الثانوية التحق بمدرسة دوشيشا للرسم الغربي، لكنه لم ينجح، ومع ذلك لم يتوقف عن سعيه لتحقيق شغفه.
ولأكير أخ يُدعى "هايجو" ويكبره بأربعة أعوام، وكان يعمل كراوٍ للسينما اليابانية الصامتة، وصار أكيرا ملازماً ل “هايجو"، فتعلم منه الكثير عن الفنون، ودخل معه عالم الفن، لتبدأ مرحلة جديدة من حياته يطّلع بها على بعض الكواليس وبعض الأسرار في عالم السينما.
وفي مطلع الثلاثينيات من القرن العشرين، زاد إنتاج الأفلام الحوارية، وانعكس ذلك سلباً على رواة الأفلام مثل "هايجوا" وأصدقائه وبدأوا يفقدون عملهم، فأصيبوا بصدمة نفسية فقدوا فيها الأمل وغمرهم اليأس، وعاد "أكيرا" إلى منزل عائلته، وماهي إلا فترة وجيزة حتى مات أخوه وقدوته "هايجو"، فأصيبت العائلة بالكآبة والحزن الشديد عليه، وذلك في عام 1933م، فضعف اهتمام أكيرا بالسينما، وتأثر تأثراً كبيراً بوفاة أخيه، وأصبح أكيرا يشعر بالوحدة.
ومن جديد لاحت بارقة أملٍ جديدة لصاحب الشغف العظيم "أكيرا" ففي عام 1935م أعلن أستوديو التصوير السينمائي (PCL) عبر أحد الصحف أنه يبحث عن مدراء مساعدين جدد، فوجد أكيرا في هذه الوظيفة فرصة ذهبية لتحقيق شغفه والعمل في مجال السينما.
ومن هنا كان التحول الكبير في حياة أكيرا، وكان هذا هو الدخول الرسمي له إلى عالم السينما، حيث أعجب به المخرج "كاجيرو ياماموتو" واهتم به كثيراً من لحظة انضمامه إلى استديو PCL وكان عمره آنذاك 25 عاماً فقط.
وكان الاستديو في ذلك الوقت يتبع خطة نظام التدريب، حيث يعمل المخرجون الشباب في مسار تسلسل هرمي، فيبدؤون من المهمات الصغيرة، التي تكسبهم المزيد من الخبرة والمسؤولية، وشيئاً فشيئاً تنصقل مهاراتهم ليصبحوا محترفين.
وبالنسبة لأكيرا استمرت فترة التدريب المهني 5 سنوات، عمل خلالها تحت عدد من كبار المخرجين، مما أكسبه خبرة كبيرة في مجال عمله، خصوصاً أن هذا العمل كان يمثل شغفه في الحياة، ولكن الخبرة العظيمة والفضل الأكبر في مسيرته كان "لكاجيري ياماموتو" والذي ساعده في إخراج 17 فلماً من أصل 24 فيلماً شارك في إخراجهم، ومن هنا بدأ يلمع اسمه كمخرج سينمائي.
إذ اهتم به فأوكل إليه الكثير من المهام لصقل مهاراته، فأدخله في كل مراحل الفيلم، فتارة جعله يشرف على التصوير وتارة على الإضاءة ثم على البرامج النصية والدبلجة والتحرير، ثم جعله يقوم بكتابة السيناريو، فأحاط "أكيرا" بكل حيثيات وتفاصيل إخراج وإنتاج الأفلام، وبدأ يلمع اسمه كمخرج سينمائي.
لم يكن أكيرا يهتم بالربح والمال وإنما كان اهتمامه وتركيزه منصباً على شغفه وغاية طموحه أن يقدّم عملاً فنياً فريداً، وبما أن السينما تمثل شغفه منذ طفولته، فقد ابتكر العديد من التقنيات والأساليب التي أغنت العالم السينمائي، فقد كان فلمه "راشومون" من أوائل الأفلام التي استخدمت تقنية "الكاميرا المحمولة"، كما أن نظرته الإخراجية وخبرته الفنية مكنته من ابتكار لقطات فنية أصبحت من أشهر وأهم اللقطات في تاريخ السينما.
وفي عام 1960م أنشأ أكيرا شركة كوروساوا للإنتاج، والتي أصبح رئيساً فيها، وبدأ بإنتاج أعماله الخاصة. وفي منتصف السبعينيات قام بالتصوير في سيبيريا بدعوة من حكومة تلك البلاد، ونال إشادة واسعة، وحظيت أفلامه بشهرة عالمية ونالت عدداً كبيراً من الجوائز العالمية منها جائزة الأوسكار لأفضل فيلم بلغة أجنبية عام 1976، وجائزة الأسد الذهبي سنة 1951، والسعفة الذهبية 1980، وجائزة الأوسكار الشرفية لعام 1990، وجائزة سيزار لأفضل فيلم أجنبي سنة 1981م، والكثير من الجوائز التي لا يسعنا ذكرها، كما رشح للعديد من الجوائز الأخرى.
وفي سنواته الأخيرة، تدهورت حالته الصحية، لكنه لم يتوقف عن عمله في الإنتاج والإخراج، وتوفي قبل أن ينهي أحد الأفلام التي كان يعمل عليها، إثر سكتة دماغية في سبتمبر 1998م في طوكيو اليابانية، عن عمر ناهز 88 عاماً، مضيفاً على السينما العالمية تقنيات وأساليب زادت من جمالها وروعتها، وكانت أعماله تجسيداً عملياً لحبه وشغفه للسينما والعمل والسينمائي.